هناك دلائل على استخدام الشباك في الخليج العربي في الحقب القديمة تعود للألف الثانية قبل الميلاد, حيث عثر على ما أسموه بأثقال ترسيب الشباك وهي أثقال وأحجار معينة كانت تربط في الشباك لكي تجعل الشبك يغوص في أعماق البحر. وهذا يعني أن شعوب تلك الحقبة عرفوا طريقة غزل الشباك. إن الحديث عن تاريخ النسيج في البحرين طويل فقد اشتهرت البحرين قديما بأنها أحد مراكز القطن الثلاثة في المنطقة بالإضافة لمصر والهند ويرجح ألفاريزمون (2005م) في بحثه عن تاريخ القطن في الشرق الأقصى أن البحرين كانت تُصدر القطن إلى عيلام وهناك دلائل وبحوث أخرى
سنناقشها بالتفصيل في الحديث عن النسيج, ولكن ما يهمنا هنا أن نعرف أن القطن كان موجودا في البحرين القديمة وكذلك مهنة نسج الخيوط القطنية كانت معروفة أيضا, وعليه لا نستبعد أن مهنة نسج الشباك من الخيوط القطنية كانت معروفة منذ تلك الحقبة, وقد استمرت تلك الحرفة إلى عهد قريب حتى غزت الأسواق تلك الشباك المصنوعة بالآلات من خيوط النايلون.
صناعة «شباك الصيد» الحرفة التي انقرضت
تسمى مهنة صناعة شباك الصيد «الطراقة» ومنها الفعل طرق أي نسج الشبك ومنها اسم الأداة المستخدمة في نسج الشباك وهي الطراقة. وتصنع شباك الصيد من الخيوط القطنية السميكة التي كانت تغزل محليا أو تستورد من الهند على شكل ربطات تسمى محليا «وشائع» والمفرد وشيعة. أما في عمان فلم تكن تستخدم الخيوط القطنية فبحسب ما جاء في صحيفة الوطن العمانية عن صناعة شباك صيد الأسماك أنه «في القديم فكانت الخيوط تستخرج من سعف النخيل حيث تقوم النساء بغزلها وتجهيزها لهذه المهنة بعدها يقوم الرجال بحياكة الخيوط مستخدمين في ذلك «المرابة» وهي أداة تصنع من خشب النخيل وتستخدم كالإبرة». وقد عرفت صناعة الخيوط من جريد النخل الأخضر في البحرين والخليج العربي بصورة عامة حيث يتم «تحويج الجريد» أي عملية طرق الجريد وليِّه باليد حتى يصبح بشكل الخيوط رفيعة بعدها تنسج هذه الخيوط, إلا أن المشهور في البحرين والكويت وشرق الجزيرة العربية صنع شباك الصيد من الخيوط القطنية. وقبل أن نبدأ بوصف صناعة الشباك يجب التنويه إلى أن المصطلحات وأسماء الأدوات المستخدمة في صناعة الشبك تتغير من بلد لآخر فعلى سبيل المثال تسمى «إبرة خياطة الشباك» في الإمارات «قبة» بينما في الكويت «القبة» تعني «سعة فتحة عين الشبك», بينما الخطوات العامة لصناعة الشبك متشابهة.
تبدأ صناعة الشبك ببرم أو تثليث ثلاث خيوط معا أي لفّها مع بعضها لتشكل خيطا واحدا سميكا ذا قوة لمقاومة ضغط تيارات المياه والأسماك المحصورة داخل الشبك, وتستخدم في البرام الأدوات المستخدمة في النسيج حيث يتم وضع الوشيعة على الدوارة (تسمى في الكويت دولاب و في الإمارات مكسار) ومن ثم تبرم, ويتم طي الخيوط التي تبرم حول قطعة كبيرة من الخشب كالمغزل تسمى مبرم لتأخذ وضعها النهائي كخيط واحد ثم يتم تنقيعها بالماء لفترة معينة حتى تتشرب به و تترك بعد ذلك لتجف لتكون جاهزة لصناعة الشبك. بعد ذلك يبدأ الصانع بتحديد سعة الفتحة أو العين للشبك المطلوب وبناء على ذلك يتم اختيار «المطراقة» الخاصة بذلك ليبدأ عمله بصنع الشبك أو طرقه. والمطراقة عبارة عن قطعة مستقيمة من الخشب يتراوح طولها وسمكها حسب سعة فتحة الشبك المطلوب وهي بيضاوية الشكل, ويساعد ذلك على شد عقدة الخيط عند لفّه عليها بهدف صنع فتحة الشبك المطلوبة, وتسمى سعة الفتحة أو العين بالقبة. ويشار إلى نوع الشبك بعدد فتحاته في الذراع فيقال شبك قبة 12 أي يحتوي على 12 فتحة في كل ذراع, أو قد تختصر التسمية فيقال أثني عشري أو ستعشري أي توجد 16 عينا في الذراع وهكذا. بعد الانتهاء من غزل أو طرق الشبك يتم فرد الشبك لتركيب حبل سميك مصنوع من ليف ثمرة النارجيل (قنبار أو كمبار) و هذه الخيوط يربط بها الأثقال, وفي حال كون الشبك سيعلق في البحر يكون هناك خيطان علوي وسفلي حيث يربط في الخيط العلوي كرب النخيل ليبقى هذا الطرف طافيا فوق سطح الماء و التي استبدلت لاحقا بالعوامات إما في الحبل السفلي فتربط قطع من الصخر للمساعدة في نزوله لقاع البحر وقد استبدلت لاحقا بالرصاص.
وصف الشبك عند شعراء القرن الرابع الهجري
بعض شعراء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) برعوا في وصف الشبك كأداة لصيد الأسماك وقد اشتهرت تلك الأشعار التي أصبحت من النوادر في الشعر نظرا لقلة من وصف البحر والصيد من الشعراء. وأروع ما وصلنا من وصف الشبك كان للسري الرفاء المتوفي عام 976م, ففي إحدى قصائده يصف فيها رحلة صيد بالشبك يتضح من خلالها أن الشبك الموصوف يُرمى باليد أي كشبك السالية في الوقت الحاضر, حيث قال:
وشاحبِ اللَّبسةِ والأعضاءِ
أشعثَ نائي العَهدِ بالرَّخاءِ
أفضى به العُدْمُ إلى الفَضاء
فوجهُه للضِّحِّ والهواءِ
أغبرَ يحوي الرزقَ من غَبراءِ
خَفيفةٍ ثقيلةِ الأرجاءِ
كأنَّها هَلهلةُ الرِّداءِ
كلَّفَها لحظَ بناتِ الماءِ
بأَعيُنٍ لم تُؤتَ من إغضاءٍ
كثيرةٍ تُربي على الإحصاءِ
وأقبلَتْ تملأُ عينَ الرائي
بكل صافي المتنِ والأحشاءِ
أبيضَ مثلِ الفِضَّةِ البيضاءِ
أو كذِراعِ الكاعبِ الحسناءِ
فحازَ إذ خاطرَ بالحوباءِ
سعادةَ الجَدِّ من الشَّقاءِ
إلى أن قال:
أو من حَبيرِ مُزنَةٍ غرَّاءِ
غذاؤنا بوركَ من غَذَاءِ
نُؤثرُه في الصيَّفِ والشِّتاءِ
على القَديدِ الغَضِّ والشُّواءِ
وله أيضا في قصيدة أخرى يصف الشبك يقول:
وجَدْوَلٍ بينَ حَديقَتَيْنِ
مُطَّرَدٍ مثلِ حُسامِ القَيْنِ
كَسَوْتُهُ واسعةَ القُطرَيْنِ
تَنظُرُ في الماءِ بغيرِ عَينِ
راصِدة كلَّ قَريبِ الحَيْنِ
تُبْرِزُهُ مُجنَّحَ الجَنَبْينِ
كَمِدْيَةٍ مَصقولَةِ الحَدَّيْنِ
كأنَّما صِيغَتْ من اللُّجَيْنِ
رِزقا هنيئا يملأُ اليَديْنِ
بغيرِ كَدٍّ وبغيرِ أينِ
وتجدر الملاحظة أن عمليات الصيد لم تكن تحتاج لقوارب فقد كانوا يصطادون في منطقة المد والجزر وقد مرت بنا قصيدة الشاعر أحمد الصنوبري المتوفي عام 945م الذي قال فيها:
ثم بعثنا ألفَ عين في جَسَد
فجئننا بمثلهنَّ في العدد
ألفٌ من الحيتان بيضٌ كالبرد
مكسوَّةٌ دراهما ما تنتقد
كذلك الأرزاقُ من جزرٍ ومد
فالحمدُ للمهيمنْ الفردِ الصَّمَد
تطور الصيد بالشبك
لا يوجد هناك الكثير من الأسماء الخاصة للشباك فهي قليلة من تلك المسميات الليخ والسالية والغزل فالشباك تسمى حسب عدد العيون في الذراع كما أسلفنا, ولكن هناك الكثير من طرق الصيد بالشباك ويطلق اسم طريقة الصيد على الشبك أيضا وبذلك يكون الاسم لطريقة الصيد ولنوع الشبك, وأحيانا يصادف أن تكون طريقة ما من طرق الصيد بالشبك تمارس في موسم معين وعليه يصبح اسم الطريقة اسم للموسم أيضا وأوضح مثال على ذلك اسم الهيال فهو في الأصل اسم لطريقة الصيد ولكنه عمم ليشمل اسم الموسم والشبك. ويمكن اختزال طرق الصيد بالشبك في طريقتين رئيسيتين وهي طريقة رمي الشباك باليد أو تركها معلقة في الماء, والشباك المعلقة في الماء تقسم لعدة طرق فرعية فقد يثبت أسفلها في القاع أو يترك هائم و قد تجر جرا إما باليد أو بالقارب هذا باختصار ويمكننا أن نتوسع في الشرح كالتالي:
أولا : رمي الشبكة باليد أوالنجاس
وتستخدم في هذه الطريقة شبكة تسمى السالية. والسالية هي نوع من الشباك الصغيرة الدائرية الشكل وهي شبكة للرّمي، ويوجد بها أثقال من الرصاص حول محيطها وفي وسطها (مركزها) حبل. تُرمى السالية من على كتف الرجل في المياه غير العميقة ثم تُسحب من الحبل الذي بمركزها الشبكة.
ثانيا: الشباك الخيشومية
وتسمى أيضا الغزل أو الليخ وجمعها ألياخ أو الجل (اليل). وقد سميت بالخيشومية لأن خياشيم الأسماك تعلق بها. وتوضع هذه الشباك بصورة معلقة في البحر. ويبلغ طول الليخ حوالي ستين مترا وارتفاعه قرابة ثلاثة أمتار, ويوجد بالشبك حبلان الأول علوي ويسمى المد الفوقي والثاني سفلي ويسمى مد حدري، والمد الفوقي أي الحبل العلوي كانت تثبت فيه كرب النخيل لكي يطفو فوق الماء والتي استبدلت بالعوامات، والمد الحدري تثبت فيه قطع صخرية تربط بواسطة حبال خفيفة وتسمى هذه القطع مساوي ومفردها مسو وأطلق عليها مساوي لأنها تربط في الحبل السفلي لكي يكون متساويا في تثبيت الشباك داخل البحر مع الحبل العلوي الذي يربط فيه الكرب, وقد استبدلت بأثقال من الرصاص (البلد), وعادة ما يكون في الليخ الواحد 25 كربة و4 مساوى. أحيانا يتم استخدام خيطين يبلغ طول كل منهما نصف طول الغزل وذلك ليكونا الخيط العلوي والخيط السفلي وبذلك تصبح العيون مرتخية وهذا الشبك يسمى حينها شبك التخبط.
وعند تثبيت الشبك في القاع فتتم عملية تفقده بين فترة وأخرى, وعملية تفقد الشباك تسمى «المباراة» (كذلك هي عملية تفقد الحضرة) وبعد الانتهاء من عملية التفقد والحصول على كمية وافرة من السمك يستريح الصائد قليلا ليعاود تفقد شباكه من جديد، وتسمى هذه الحالة «بارة ثانية» وثالثة حسب المدة التي يقضيها الصياد في البحر، وبعد الانتهاء من عملية الصيد يتم رفع الشبك وبعدها يتم تفقد الأضرار التي حدثت في الشبك وإذا وجدوا فيها عيون كثيرة ممزقة يقومون بإصلاحها في الحال وتسمى هذه الطريقة «الترويب» او «الروابة» والروبة كما وردت في اللغة بمعنى الرقعة ورأب بمعنى أصلح الفتق.
2 – الصيد بالشباك الهائمة التي تجر
وفي هذه الطريقة يجعل الشبك معلقا في البحر لكنه غير مثبت في قاع البحر حتى يتم تحريك الشبك والالتفاف به, وهناك ثلاث طرق فرعية لها هي الطاروف والجاروف والهيال
أ – الطاروف
ويستخدم فيها قطعة واحدة من الغزل تكون عادة ذات عيون صغيرة و يكون مثبتا بها حبلان مثبت بهما الثقل والعوامة كما سبق وأوضحنا, ويمسك بها رجلان أو ثلاثة, يقف أحد الصيادين بالقرب من الشاطئ ممسكا بأحد طرفي الغزل بينما يقوم الآخر بالالتفاف حول السمك و على كتفه بقية الغزل الذي يلقيه في البحر كلما تقدم بعدها تبدأ عملية جر الغزل.
ب – الجاروف
هي شبيها بالطاروف ولكن تكون على مساحة أكبر حيث يستعان بأكثر من قطعة غزل موصلة مع بعض وبها حبلان علوي وسفلي لتثبيت الثقل و العوامات, ويكون طرفي الشبكة مدببين ويتصل كل منهما بحبل طويل و قد يتوسط الشبكة كيس كبير لجمع الأسماك. وتنصب الشبكة بالقرب من الشاطئ حيث يتم تثبيت أحد الأطراف و يثبت الطرف الآخر بقارب يقوم بالالتفاف بشكل دائري حتى يلتقي الطرفان بعدها يقوم الصيادون بجر الحبال المربوطة بكلا الطرفين وصيد الأسماك التي أحاطتها الشبكة.
ج – الهيال
الهيال اسم يطلق على طريقة الصيد وكذلك موسم الصيد الذي يعتبر من أهم مواسم صيد السمك واطولها مدة، ويبدأ مع بداية شهر مايو وينتهي بنهاية شهر سبتمبر. ويحمل القارب الواحد ما بين 6 إلى 10 ألياخ (وقد تبلغ حتى 40 ليخا) مثبتة مع بعضها البعض, و يتم تثبيته بالطريقة السابقة الذكر إلا أن ما يميز هذه الطريقة هو عدم تثبيت الشبك في قاع البحر بل يثبت طرفيها فقط ويكون أحد الطرفين مثبت بالقارب.
2 – الشباك الخيشومية الثابتة
وهي شباك يتم إعدادها بالطريقة السابقة الذكر ولكن تتميز هذه الطريقة بتثبيت الشبكة في قاع البحر فتصبح الشباك كحواجز وهي شبيهة لحد ما بطريقة الصيد بالحضرة لاعتمادها على حركة المد و الجزر, و من أشهر الطرق التي تثبت فيها الشباك الخيشومية هي المنصب والسكار.
أ- المنصب
تسمى أحيانا نصابة أو مكوسر والطريقة عبارة عن استخدام شبكة طويل قد يبلغ طولها مائة متر أو أكثر وارتفاعها من متر إلى مترين، و تتكون من جناحين وكتفين وبطن وتكون أحجام عيون هذه الشبكة مرتبة تنازليا من الجناح حتى البطن. وتُستخدم بالقرب من الساحل، حيث تُوضع على شكل طوق بفتحة مُواجهة للشاطئ حيث تثبت في قوائم، وهي تأخذ شكل الحضرة فيكون لها سر وحنايا ومطعم حتى أن لها مد لتوجيه الأسماك لداخل الشبكة و يسمى هناك أصداق وهو عبارة عن حاجز شبكي يمتد من أمام الفتحة بخط مستقيم ولمسافة باتجاه الشاطئ. وتجمع الأسماك في فترة الجزر.
أحيانا يتم ربط طرفي الجناحين بحبل يسمى حبل الجر فتستخدم كشبكة جر وعندها تسمى طريق الصيد «دفار».
ب – السكار
وتعتمد هذه الطريقة على إغلاق فتحة إحدى المنخفضات في قاع البحر (خور) و التي يدخلها الأسماك في حالة المد, وعند حدوث الجزر تحول الأسماك الخروج من الخور والاتجاه لداخل البحر ولكنها تصطدم بالشبكة وتقع فيها.
ثالثا : الصيد بأكثر من طبقة من الشباك (المحير)
تتكون شبكة المحير أو الكنار من ثلاث طبقات من الغزل بحيث تكون الطبقة الوسطى عبارة عن غزل ذات عيون ضيقة ومعلقة بصورة مرتخية بينما تكون الطبقتان الخارجيتان من غزل ذات عيون أوسع. و تعلق الشبكة بنفس الطريقة السابقة في البحر. وكانت هذه الطريقة خاصة بالأسماك القاعية قبل ظهور شباك الجر القاعية التي تستخدم في الصيد التجاري حاليا.
بقلم الباحث حسين محمد حسين
سنناقشها بالتفصيل في الحديث عن النسيج, ولكن ما يهمنا هنا أن نعرف أن القطن كان موجودا في البحرين القديمة وكذلك مهنة نسج الخيوط القطنية كانت معروفة أيضا, وعليه لا نستبعد أن مهنة نسج الشباك من الخيوط القطنية كانت معروفة منذ تلك الحقبة, وقد استمرت تلك الحرفة إلى عهد قريب حتى غزت الأسواق تلك الشباك المصنوعة بالآلات من خيوط النايلون.
صناعة «شباك الصيد» الحرفة التي انقرضت
تسمى مهنة صناعة شباك الصيد «الطراقة» ومنها الفعل طرق أي نسج الشبك ومنها اسم الأداة المستخدمة في نسج الشباك وهي الطراقة. وتصنع شباك الصيد من الخيوط القطنية السميكة التي كانت تغزل محليا أو تستورد من الهند على شكل ربطات تسمى محليا «وشائع» والمفرد وشيعة. أما في عمان فلم تكن تستخدم الخيوط القطنية فبحسب ما جاء في صحيفة الوطن العمانية عن صناعة شباك صيد الأسماك أنه «في القديم فكانت الخيوط تستخرج من سعف النخيل حيث تقوم النساء بغزلها وتجهيزها لهذه المهنة بعدها يقوم الرجال بحياكة الخيوط مستخدمين في ذلك «المرابة» وهي أداة تصنع من خشب النخيل وتستخدم كالإبرة». وقد عرفت صناعة الخيوط من جريد النخل الأخضر في البحرين والخليج العربي بصورة عامة حيث يتم «تحويج الجريد» أي عملية طرق الجريد وليِّه باليد حتى يصبح بشكل الخيوط رفيعة بعدها تنسج هذه الخيوط, إلا أن المشهور في البحرين والكويت وشرق الجزيرة العربية صنع شباك الصيد من الخيوط القطنية. وقبل أن نبدأ بوصف صناعة الشباك يجب التنويه إلى أن المصطلحات وأسماء الأدوات المستخدمة في صناعة الشبك تتغير من بلد لآخر فعلى سبيل المثال تسمى «إبرة خياطة الشباك» في الإمارات «قبة» بينما في الكويت «القبة» تعني «سعة فتحة عين الشبك», بينما الخطوات العامة لصناعة الشبك متشابهة.
تبدأ صناعة الشبك ببرم أو تثليث ثلاث خيوط معا أي لفّها مع بعضها لتشكل خيطا واحدا سميكا ذا قوة لمقاومة ضغط تيارات المياه والأسماك المحصورة داخل الشبك, وتستخدم في البرام الأدوات المستخدمة في النسيج حيث يتم وضع الوشيعة على الدوارة (تسمى في الكويت دولاب و في الإمارات مكسار) ومن ثم تبرم, ويتم طي الخيوط التي تبرم حول قطعة كبيرة من الخشب كالمغزل تسمى مبرم لتأخذ وضعها النهائي كخيط واحد ثم يتم تنقيعها بالماء لفترة معينة حتى تتشرب به و تترك بعد ذلك لتجف لتكون جاهزة لصناعة الشبك. بعد ذلك يبدأ الصانع بتحديد سعة الفتحة أو العين للشبك المطلوب وبناء على ذلك يتم اختيار «المطراقة» الخاصة بذلك ليبدأ عمله بصنع الشبك أو طرقه. والمطراقة عبارة عن قطعة مستقيمة من الخشب يتراوح طولها وسمكها حسب سعة فتحة الشبك المطلوب وهي بيضاوية الشكل, ويساعد ذلك على شد عقدة الخيط عند لفّه عليها بهدف صنع فتحة الشبك المطلوبة, وتسمى سعة الفتحة أو العين بالقبة. ويشار إلى نوع الشبك بعدد فتحاته في الذراع فيقال شبك قبة 12 أي يحتوي على 12 فتحة في كل ذراع, أو قد تختصر التسمية فيقال أثني عشري أو ستعشري أي توجد 16 عينا في الذراع وهكذا. بعد الانتهاء من غزل أو طرق الشبك يتم فرد الشبك لتركيب حبل سميك مصنوع من ليف ثمرة النارجيل (قنبار أو كمبار) و هذه الخيوط يربط بها الأثقال, وفي حال كون الشبك سيعلق في البحر يكون هناك خيطان علوي وسفلي حيث يربط في الخيط العلوي كرب النخيل ليبقى هذا الطرف طافيا فوق سطح الماء و التي استبدلت لاحقا بالعوامات إما في الحبل السفلي فتربط قطع من الصخر للمساعدة في نزوله لقاع البحر وقد استبدلت لاحقا بالرصاص.
وصف الشبك عند شعراء القرن الرابع الهجري
بعض شعراء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) برعوا في وصف الشبك كأداة لصيد الأسماك وقد اشتهرت تلك الأشعار التي أصبحت من النوادر في الشعر نظرا لقلة من وصف البحر والصيد من الشعراء. وأروع ما وصلنا من وصف الشبك كان للسري الرفاء المتوفي عام 976م, ففي إحدى قصائده يصف فيها رحلة صيد بالشبك يتضح من خلالها أن الشبك الموصوف يُرمى باليد أي كشبك السالية في الوقت الحاضر, حيث قال:
وشاحبِ اللَّبسةِ والأعضاءِ
أشعثَ نائي العَهدِ بالرَّخاءِ
أفضى به العُدْمُ إلى الفَضاء
فوجهُه للضِّحِّ والهواءِ
أغبرَ يحوي الرزقَ من غَبراءِ
خَفيفةٍ ثقيلةِ الأرجاءِ
كأنَّها هَلهلةُ الرِّداءِ
كلَّفَها لحظَ بناتِ الماءِ
بأَعيُنٍ لم تُؤتَ من إغضاءٍ
كثيرةٍ تُربي على الإحصاءِ
وأقبلَتْ تملأُ عينَ الرائي
بكل صافي المتنِ والأحشاءِ
أبيضَ مثلِ الفِضَّةِ البيضاءِ
أو كذِراعِ الكاعبِ الحسناءِ
فحازَ إذ خاطرَ بالحوباءِ
سعادةَ الجَدِّ من الشَّقاءِ
إلى أن قال:
أو من حَبيرِ مُزنَةٍ غرَّاءِ
غذاؤنا بوركَ من غَذَاءِ
نُؤثرُه في الصيَّفِ والشِّتاءِ
على القَديدِ الغَضِّ والشُّواءِ
وله أيضا في قصيدة أخرى يصف الشبك يقول:
وجَدْوَلٍ بينَ حَديقَتَيْنِ
مُطَّرَدٍ مثلِ حُسامِ القَيْنِ
كَسَوْتُهُ واسعةَ القُطرَيْنِ
تَنظُرُ في الماءِ بغيرِ عَينِ
راصِدة كلَّ قَريبِ الحَيْنِ
تُبْرِزُهُ مُجنَّحَ الجَنَبْينِ
كَمِدْيَةٍ مَصقولَةِ الحَدَّيْنِ
كأنَّما صِيغَتْ من اللُّجَيْنِ
رِزقا هنيئا يملأُ اليَديْنِ
بغيرِ كَدٍّ وبغيرِ أينِ
وتجدر الملاحظة أن عمليات الصيد لم تكن تحتاج لقوارب فقد كانوا يصطادون في منطقة المد والجزر وقد مرت بنا قصيدة الشاعر أحمد الصنوبري المتوفي عام 945م الذي قال فيها:
ثم بعثنا ألفَ عين في جَسَد
فجئننا بمثلهنَّ في العدد
ألفٌ من الحيتان بيضٌ كالبرد
مكسوَّةٌ دراهما ما تنتقد
كذلك الأرزاقُ من جزرٍ ومد
فالحمدُ للمهيمنْ الفردِ الصَّمَد
تطور الصيد بالشبك
لا يوجد هناك الكثير من الأسماء الخاصة للشباك فهي قليلة من تلك المسميات الليخ والسالية والغزل فالشباك تسمى حسب عدد العيون في الذراع كما أسلفنا, ولكن هناك الكثير من طرق الصيد بالشباك ويطلق اسم طريقة الصيد على الشبك أيضا وبذلك يكون الاسم لطريقة الصيد ولنوع الشبك, وأحيانا يصادف أن تكون طريقة ما من طرق الصيد بالشبك تمارس في موسم معين وعليه يصبح اسم الطريقة اسم للموسم أيضا وأوضح مثال على ذلك اسم الهيال فهو في الأصل اسم لطريقة الصيد ولكنه عمم ليشمل اسم الموسم والشبك. ويمكن اختزال طرق الصيد بالشبك في طريقتين رئيسيتين وهي طريقة رمي الشباك باليد أو تركها معلقة في الماء, والشباك المعلقة في الماء تقسم لعدة طرق فرعية فقد يثبت أسفلها في القاع أو يترك هائم و قد تجر جرا إما باليد أو بالقارب هذا باختصار ويمكننا أن نتوسع في الشرح كالتالي:
أولا : رمي الشبكة باليد أوالنجاس
وتستخدم في هذه الطريقة شبكة تسمى السالية. والسالية هي نوع من الشباك الصغيرة الدائرية الشكل وهي شبكة للرّمي، ويوجد بها أثقال من الرصاص حول محيطها وفي وسطها (مركزها) حبل. تُرمى السالية من على كتف الرجل في المياه غير العميقة ثم تُسحب من الحبل الذي بمركزها الشبكة.
ثانيا: الشباك الخيشومية
وتسمى أيضا الغزل أو الليخ وجمعها ألياخ أو الجل (اليل). وقد سميت بالخيشومية لأن خياشيم الأسماك تعلق بها. وتوضع هذه الشباك بصورة معلقة في البحر. ويبلغ طول الليخ حوالي ستين مترا وارتفاعه قرابة ثلاثة أمتار, ويوجد بالشبك حبلان الأول علوي ويسمى المد الفوقي والثاني سفلي ويسمى مد حدري، والمد الفوقي أي الحبل العلوي كانت تثبت فيه كرب النخيل لكي يطفو فوق الماء والتي استبدلت بالعوامات، والمد الحدري تثبت فيه قطع صخرية تربط بواسطة حبال خفيفة وتسمى هذه القطع مساوي ومفردها مسو وأطلق عليها مساوي لأنها تربط في الحبل السفلي لكي يكون متساويا في تثبيت الشباك داخل البحر مع الحبل العلوي الذي يربط فيه الكرب, وقد استبدلت بأثقال من الرصاص (البلد), وعادة ما يكون في الليخ الواحد 25 كربة و4 مساوى. أحيانا يتم استخدام خيطين يبلغ طول كل منهما نصف طول الغزل وذلك ليكونا الخيط العلوي والخيط السفلي وبذلك تصبح العيون مرتخية وهذا الشبك يسمى حينها شبك التخبط.
وعند تثبيت الشبك في القاع فتتم عملية تفقده بين فترة وأخرى, وعملية تفقد الشباك تسمى «المباراة» (كذلك هي عملية تفقد الحضرة) وبعد الانتهاء من عملية التفقد والحصول على كمية وافرة من السمك يستريح الصائد قليلا ليعاود تفقد شباكه من جديد، وتسمى هذه الحالة «بارة ثانية» وثالثة حسب المدة التي يقضيها الصياد في البحر، وبعد الانتهاء من عملية الصيد يتم رفع الشبك وبعدها يتم تفقد الأضرار التي حدثت في الشبك وإذا وجدوا فيها عيون كثيرة ممزقة يقومون بإصلاحها في الحال وتسمى هذه الطريقة «الترويب» او «الروابة» والروبة كما وردت في اللغة بمعنى الرقعة ورأب بمعنى أصلح الفتق.
2 – الصيد بالشباك الهائمة التي تجر
وفي هذه الطريقة يجعل الشبك معلقا في البحر لكنه غير مثبت في قاع البحر حتى يتم تحريك الشبك والالتفاف به, وهناك ثلاث طرق فرعية لها هي الطاروف والجاروف والهيال
أ – الطاروف
ويستخدم فيها قطعة واحدة من الغزل تكون عادة ذات عيون صغيرة و يكون مثبتا بها حبلان مثبت بهما الثقل والعوامة كما سبق وأوضحنا, ويمسك بها رجلان أو ثلاثة, يقف أحد الصيادين بالقرب من الشاطئ ممسكا بأحد طرفي الغزل بينما يقوم الآخر بالالتفاف حول السمك و على كتفه بقية الغزل الذي يلقيه في البحر كلما تقدم بعدها تبدأ عملية جر الغزل.
ب – الجاروف
هي شبيها بالطاروف ولكن تكون على مساحة أكبر حيث يستعان بأكثر من قطعة غزل موصلة مع بعض وبها حبلان علوي وسفلي لتثبيت الثقل و العوامات, ويكون طرفي الشبكة مدببين ويتصل كل منهما بحبل طويل و قد يتوسط الشبكة كيس كبير لجمع الأسماك. وتنصب الشبكة بالقرب من الشاطئ حيث يتم تثبيت أحد الأطراف و يثبت الطرف الآخر بقارب يقوم بالالتفاف بشكل دائري حتى يلتقي الطرفان بعدها يقوم الصيادون بجر الحبال المربوطة بكلا الطرفين وصيد الأسماك التي أحاطتها الشبكة.
ج – الهيال
الهيال اسم يطلق على طريقة الصيد وكذلك موسم الصيد الذي يعتبر من أهم مواسم صيد السمك واطولها مدة، ويبدأ مع بداية شهر مايو وينتهي بنهاية شهر سبتمبر. ويحمل القارب الواحد ما بين 6 إلى 10 ألياخ (وقد تبلغ حتى 40 ليخا) مثبتة مع بعضها البعض, و يتم تثبيته بالطريقة السابقة الذكر إلا أن ما يميز هذه الطريقة هو عدم تثبيت الشبك في قاع البحر بل يثبت طرفيها فقط ويكون أحد الطرفين مثبت بالقارب.
2 – الشباك الخيشومية الثابتة
وهي شباك يتم إعدادها بالطريقة السابقة الذكر ولكن تتميز هذه الطريقة بتثبيت الشبكة في قاع البحر فتصبح الشباك كحواجز وهي شبيهة لحد ما بطريقة الصيد بالحضرة لاعتمادها على حركة المد و الجزر, و من أشهر الطرق التي تثبت فيها الشباك الخيشومية هي المنصب والسكار.
أ- المنصب
تسمى أحيانا نصابة أو مكوسر والطريقة عبارة عن استخدام شبكة طويل قد يبلغ طولها مائة متر أو أكثر وارتفاعها من متر إلى مترين، و تتكون من جناحين وكتفين وبطن وتكون أحجام عيون هذه الشبكة مرتبة تنازليا من الجناح حتى البطن. وتُستخدم بالقرب من الساحل، حيث تُوضع على شكل طوق بفتحة مُواجهة للشاطئ حيث تثبت في قوائم، وهي تأخذ شكل الحضرة فيكون لها سر وحنايا ومطعم حتى أن لها مد لتوجيه الأسماك لداخل الشبكة و يسمى هناك أصداق وهو عبارة عن حاجز شبكي يمتد من أمام الفتحة بخط مستقيم ولمسافة باتجاه الشاطئ. وتجمع الأسماك في فترة الجزر.
أحيانا يتم ربط طرفي الجناحين بحبل يسمى حبل الجر فتستخدم كشبكة جر وعندها تسمى طريق الصيد «دفار».
ب – السكار
وتعتمد هذه الطريقة على إغلاق فتحة إحدى المنخفضات في قاع البحر (خور) و التي يدخلها الأسماك في حالة المد, وعند حدوث الجزر تحول الأسماك الخروج من الخور والاتجاه لداخل البحر ولكنها تصطدم بالشبكة وتقع فيها.
ثالثا : الصيد بأكثر من طبقة من الشباك (المحير)
تتكون شبكة المحير أو الكنار من ثلاث طبقات من الغزل بحيث تكون الطبقة الوسطى عبارة عن غزل ذات عيون ضيقة ومعلقة بصورة مرتخية بينما تكون الطبقتان الخارجيتان من غزل ذات عيون أوسع. و تعلق الشبكة بنفس الطريقة السابقة في البحر. وكانت هذه الطريقة خاصة بالأسماك القاعية قبل ظهور شباك الجر القاعية التي تستخدم في الصيد التجاري حاليا.
بقلم الباحث حسين محمد حسين